ومع فرض وجود مائز بينهما، فنحن نسأل: من أين أتى هذا المائز؟ ومن الذي أثر في وجوده.
ومن الواضح، أن المؤثر في وجود هذا المائز، إما أن يكون ذاتيا في أحد فردي واجب الوجود - حسب الفرض -، أو أمرا خارجا عنه، وكلاهما يستلزم محالا. أما الأول: وهو كون المؤثر في وجود المائز ذاتيا، فلا بد من أن يكون ذلك المؤثر حينئذ خارجا عما به الاشتراك بين فردي الواجب، وهو وجوب الوجود، والطبيعة الإلهية، تمشيا مع القاعدة القائلة: أن ما به الاشتراك لا بد وأن يكون غير ما به الافتراق.
وإذا تم هذا، يتضح أن كل واحد من فردي الواجب - حسب الفرض - مركب من أمرين، مما به الاشتراك، وهو الطبيعة الواجبة الوجود. وما به الافتراق هو المائز المزعوم. وإذا كانت طبيعة كل من فردي الواجب مركبة، فهي بحاجة إلى وجود جزئيها المذكورين في وجودها، والحاجة تنافي وجوب الوجود، يناسب عالم الإمكان. وأما الثاني: وهو كون المؤثر في وجود المائز أمرا خارجيا، فمعناه أن هذا المائز، محتاج في تحصيله على ما يتميز به عن الفرد الآخر المفروض، إلى علة خارجة عنه. والحاجة تنافي وجوبه، وتناسب إمكانه. ويكون ذلك الأمر الخارج المؤثر لهذا الميز، أحق باتصافه بالوجوب من غيره.
الدليل الثاني: هو انه إما أن يكون كل واحد من الإلهين، قادرا بمفرده على خلق هذا العالم، أو لا.