ويختلف هذا الهدف من شخص إلى شخص، فواحد يجعل الطعام غاية في حد ذاته.
بينما يتخذه آخر وسيلة لتحقيق غاية. وواحد يأكل ليتذوق صنوف الطعام فقط، من دون أن تكون له به حاجة، وبعضهم يأكل ليسد جوعته من دون تذوق أو تلذذ، وثالث يأكل هادفا إلى تحقيق كلتا الناحيتين.
وواحد يأكل متخفيا بهدف ستر عيب فيه، وآخر يأكل متخفيا أيضا ولكن بهدف ألا يشاركه أحد طعامه، وثالث يأكل متخفيا، ولكن لا لهذا ولا ذاك وإنما لكي يحقق طبيعة متأصلة فيه، وهي الوحدة وحب الانفراد. وهكذا.
ثم هنالك ميزة أخيرة وعميقة أيضا للإنسان، لا يمكن أن توجد عند الحيوان.
ان الحيوان إذا أحس بلسعة الجوع، نراه يندفع نحو طعامه اندفاعا قهريا لا يملك إزاءه أية حرية أو اختيار.
في حين أن الإنسان، وإن كان يتعرض للسعة الجوع، وبالتالي لا بد وان يستجيب لها ولكن هناك مسافة زمنية وشعورية وسلوكية بين الدفعة (التي تسلب الحيوان كل اختيار، وتجعله في وضع قاهر لا محيص عنه) وبين الاستجابة التي تمثل الاختيار الحر، ومن ثم يملك الإنسان أن يستجيب في الحال بإرادته، أو يستجيب بعد فترة من الوقت، وأن ينظم مواعيد طعامه بحريته، وأن يمتنع عن أنواع معينة ويقبل على أخرى.
هذه الخصائص الست، التي تفرد بها هذا الكائن الحيواني منذ كان له وجود، خصائص جعلته فريدا بين مخلوقات الله، منذ أول لحظة، ولم ينفك عن هذه الخصائص ولم تنفك عنه، ليقال، بأنها تواجدت لديه نتيجة تطوره