خلاصة علم الكلام - الدكتور عبد الهادي الفضيلي - الصفحة ١٣٣
فالكلام تمثيل لافاضته تعالى وجود الشئ من غير حاجة إلى شئ آخر وراء ذاته المتعالية، ومن غير تخلف ولا مهل.
وبه يظهر فساد ما ذكره بعضهم حيث قال: الظاهر أن هناك قولا لفظيا هو لفظ (كن)، واليه ذهب معظم السلف، وشؤون الله تعالى وراء ما تصل اليه الافهام، فدع عنك الكلام والخصام، انتهى.
وذلك أن ما ذكره من كون شؤونه تعالى وراء طور الافهام، لو أبطل الحجة العقلية القطعية بطلت بذلك المعارف الدينية من أصلها، فصحة الكتاب، مثلا، بما يفيده من المعارف الحقيقية انما تثبت بالحجة العقلية، فلو بطلت الحجة العقلية بكتاب - أو سنة أو شئ آخر، مما يثبت هو بها لكان ذلك الدليل المبطل مبطلا لنفسه أولا، فلا تزل قدم بعد ثبوتها.
ومن المعلوم أن ليس هناك الا الله عز اسمه، والشئ الذي يوجد لا ثالث بينهما.
واسناد العلية والسببية إلى ارادته دونه تعالى، والإرادة صفة فعلية منتزعة من مقام الفعل - يستلزم انقطاع حاجة الأشياء اليه تعالى من رأس لاستيجابه استغناء الأشياء بصفة منتزعة منها عنه تعالى وتقدس.
ومن المعلوم أن ليس هناك أمر ينفصل عنه تعالى يسمى ايجادا أو وجودا، ثم يتصل بالشئ فيصير به موجودا، وهو ظاهر، فليس بعده تعالى الا وجود الشئ فحسب.
ومن هنا يظهر ان كلمة الايجاد وهي كلمة (كن) هي وجود الشئ الذي أوجده، لكن بما أنه منتسب اليه قائم به، وأما من حيث انتسابه إلى نفسه فهو موجود لا ايجاد، ومخلوق لا خلق.
ويظهر أيضا ان الذي يفيض منه تعالى لا يقبل مهلة ولا نظرة، ولا يتحمل تبدلا ولا تغيرا، ولا يتلبس بتدريج.
وما يتراءى في الخلق من هذه الأمور انما يتأتى في الأشياء من ناحية نفسها، لا من الجهة التي تلي ربها سبحانه، وهذا باب ينفتح منه ألف باب.
(١٣٣)
مفاتيح البحث: الباطل، الإبطال (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»