منصرفا فيها إلى الدرس والإفتاء في مدة الراشدين قبله.. وقد كانت حياته كلها للفقه وعلم الدين.. وكان أكثر الصحابة اتصالا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد رافق الرسول وهو صبي قبل أن يبعث عليه السلام، واستمر معه إلى أن قبض الله تعالى رسوله إليه، ولذا كان يجب أن يذكر له في كتب السنة، أضعاف ما هو مذكور فيها.
وإذا كان لنا أن نتعرف السبب الذي من أجله اختفى عن جمهور المسلمين بعض مرويات علي وفقهه، فإنا نقول: إنه لا بد أن يكون للحكم الأموي أمر في اختفاء كثير من أثار علي في القضاء والإفتاء، لأنه ليس من المعقول أن يلعنون عليا فوق المنابر، وأن يتركوا العلماء يتحدثون بعلمه وينقلون فتاويه وأقواله للناس، وخصوصا ما كان يتصل منه بأساس الحكم الإسلامي.. والعراق الذي عاش فيه علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه، وفيه انبثق علمه، كان يحكمه في صدر الدولة الأموية ووسطها حكام غلاظ شداد، لا يمكن أن يتركوا آراء علي تسري في وسط الجماهير الإسلامية، وهم الذين يخلقون الريب والشكوك حوله، حتى إنهم يتخذون من تكنية النبي صلى الله عليه وآله وسلم له " بأبي تراب " ذريعة لتنقيصه، وهو رضي الله عنه كان يطرب لهذه الكنية ويستريح لسماعها لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالها في محبة، كمودة الوالد لولده.
ولكن هل كان اختفاء أكثر آراء علي رضي الله عنه وعدم شهرتها بين جماهير المسلمين سبيلا لاندثارها وذهابها في لجة التاريخ إلى حيث لا يعلم بها أحد؟
إن عليا رضي الله عنه قد استشهد، وقد ترك وراءه من ذريته أبرارا أطهارا كانوا أئمة في علم الإسلام، وكانوا ممن يقتدى بهم، ترك ولديه من فاطمة: الحسن والحسين، وترك رواد الفكر محمد بن الحنفية،