حوار في العمق من أجل التقريب الحقيقي - صائب عبد الحميد - الصفحة ٤٤
ولقد كان الرجوع إلى اللغة كمصدر من مصادر التفسير قديما على عهد الصحابة رضي الله عنهم.
ومن الشروط الأولية التي اتفق عليها أهل العلم في المفسر: معرفته التامة باللغة العربية، فليس لغير العالم بها حق الدخول في تفسير شئ من كتاب الله العزيز، ولا يكفي في حقه تعلم اليسير منها (1).
لكن طبيعة وحدود الاستفادة من هذا المصدر الصحيح أظهرت خلافات جديدة صارت فيما بعد مصدرا من مصادر النزاع الطائفي.
مثال ذلك:
اختلافات المفسرين في مجازات القرآن:
ففريق أوغل في استخدام المجاز وبالغ فيه مع كل نص غير قطعي الدلالة تقريبا، فكثر عندهم الانتقال من الحقيقة إلى المجاز، كما هو ملاحظ في تفاسير المعتزلة غالبا.
- وفريق آخر منع من قبول المجاز في القرآن، والتزم بظاهر اللفظ، وهؤلاء هم أهل الظاهر والحشوية.
- بينما توسط فريق آخر بين الفريقين فقبل الانتقال من المعنى الحقيقي إلى المجازي ولكن باعتدال ووفق شروط واضحة، وعلى هذا المنهج سارت أهم التفاسير المعروفة عند الفريقين.
وهذا الخلاف الذي ظاهره الاستفادة من اللغة هو في الأصل نابع عن المصدر الثاني - المصدر العقلي - كما سنرى.
العقل لما كان العقل عند المعتزلة مستقلا في الحكم، مقدما على الشرع، فقد كثر عندهم الرجوع إلى العقل في التفسير،

(١) البرهان في علوم القرآن / الزركشي 2: 165.
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»