حوار في العمق من أجل التقريب الحقيقي - صائب عبد الحميد - الصفحة ١٩
بالإقبال عليهم، إلا من وفقه الله (1).
والحق أن هذا لم يكن وقفا على جماعة واحدة دون سواها فصحيح أنه استغرق الحقب الأطول والمساحات الأوسع والأشمل لصالح مذاهب الجمهور على أيدي الأمويين وأغلب الخلفاء العباسيين ثم السلاجقة والأيوبيين والمماليك والعثمانيين، إلا أن الطوائف الأخرى كان لها دورها أيضا، فكان للمعتزلة دور أيام المأمون والمعتصم، وللشيعة دور أيام البويهيين والصفويين، وللإسماعيلية دور أيام الفاطميين، وإن اختلفت تلك الأدوار في مساحاتها الزمنية والمكانية ودرجة التطرف وحجم الأضرار، إلا أن الموضوع واحد في آثاره الاجتماعية والأدبية والدينية.
تلك الأجواء كانت السبب المباشر في ظهور الأخبار المكذوبة والأحاديث الموضوعة والعقائد الدخيلة، التي تسلحت كل فرقة بطائفة منها، ورمت خصومها بطائفة أخرى، ساعد على ذلك قمع السلطات للعلماء المخلصين والمجاهدين والمصلحين، وابتعاد بعضهم عن المواجهة.
فهل ذهبت تلك النزاعات ودرست مع الزمن، واختفت آثارها؟
يغالط نفسه ويخادعها من يزعم ذلك..
إن الحقيقة التي ينبغي أن لا تغيب عن أحد أن تراثنا الموجود بين أيدينا إنما جمع وصنف في تلك الأحقاب، لا غير..
كل تراثنا الذي نقرأه: في الحديث، في التفسير، في الفقه، في الأصول، في العقائد، في التاريخ، كله تراث تلك العهود، عهود النزاع السياسي والمذهبي.
إذن لا شك أن يأتي تراثنا محملا بتلك الآثار الخطيرة، وهذه هي الحقيقة التي طغت على تراثنا الإسلامي .

(1) حجة الله البالغة 1: 332، الإنصاف: 87 كلاهما للدهلوي
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 23 25 26 ... » »»