لم يكن السر في ذلك هو اختلاف طبيعة الحقائق الدينية والتاريخية عن طبيعة الحقائق التجريبية.
إنما السر في أننا تبنينا مواقف مسبقة تجاه القضايا الدينية والتاريخية، وهذه المواقف المسبقة هي التي تتحكم في طريقة تلقينا للقضايا والحقائق..
بينما لم يكن شئ من ذلك تجاه القضايا التجريبية.
ومن مزايا هذه المواقف المسبقة أنها أضفت صفة القداسة على كثير من المفاهيم والأشخاص، فوقفت هذه القداسة سدا منيعا دون تقبل أي حقيقة تصدمها أو لا تتلاءم معها! هذا مع أن المنهج الذي رسمه الإسلام للحوار والبحث العلمي قد ألغى أي نوع من القداسة على المفاهيم وعلى الأشخاص، وفتح أبواب البحث العلمي حتى حيال أقدس المبادئ والمفاهيم، ألا وهو مبدأ التوحيد.
فحين رد القرآن الكريم على الذين جحدوا مبدأ التوحيد لم يصدمهم أولا بما لهذا المبدأ من قداسة، ولم يهول عليهم أمر التشكيك حتى أتى بالحجة والبرهان القاطع:
قال تعالى: " وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض " فبعد أن قدم البرهان العلمي الثابت حق له عندئذ أن يبدي ما لهذا الأمر من قداسة، قال: " سبحان الله عنا يصفون. عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون " (1).
ومثل هذا الأسلوب جاء أيضا في قوله تعالى: " أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون * لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " وبعد هذا البرهان القاطع قال: " فسبحان الله رب العرش عما يصفون " (2).