جذور النزاع لقد ابتدأ النزاع في هذه الأمة سياسيا، ومضى إلى وقت ليس بالقصير نزاعا سياسيا. ثم كان من شأن السياسة أن تقود هذا النزاع إلى ميادين الفكر والاجتماع الأخرى.
حتى توالت على الأمة عهود تتابع فيها حاكمون يتبنون اتجاها واحدا يتعصبون له ويوفرون له الحماية وأسباب الانتشار ويواجهون بالعنف كل اتجاه آخر.
ثم وجدوا في كل عصر رجالا ممن عرف بالفقه تقربوا إليهم واجتهدوا في توطيد سلطانهم، فتعاظم الشرخ بين فصائل الأمة، وترسخت الحواجز التي أصبحت هنا حواجز دينية بين فئة تعيش في ظل السلطان ثم تمنحه الشرعية في سياساته ومقاصده، وفئات أخرى يطارد رجالها ويؤذي كبراؤها، وربما يقتلون ويحجر على أفكارهم وتعاليمهم وكتبهم.
يقول الإمام الغزالي: إنه لما انقرض عهد الخلفاء الراشدين أفضت الخلافة إلى قوم تولوها بغير استحقاق ولا استقلال بعلم الفتاوى والأحكام، فاضطروا إلى الاستعانة بالفقهاء وإلى استصحابهم في جميع أحوالهم. وقد كان بقي من العلماء من هو مستمر على الطراز الأول وملازم صفو الدين، فكانوا إذا طلبوا هربوا وأعرضوا، فرأى أهل تلك الأعصار عز العلماء وإقبال الأئمة عليهم مع إعراضهم، فاشرأبوا لطلب العلم توصلا إلى نيل العز ودرك الجاه، فأصبح الفقهاء، بعد أن كانوا مطلوبين طالبين، وبعد أن كانوا أعزة بالإعراض عن السلاطين أذلة