أصبح هو مذهب دعاة السلفية حتى اليوم.. (1).
وهذه الشبهة مردودة، أولا: بما تقدم في الفصول السابقة. وثانيا: بالمقدمة الآنفة الذكر. وثالثا: بالحديث الذي تمسكوا به نفسه.
فالحديث يقول: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد.
والاستثناء هنا يعود إما إلى المساجد، فيكون المعنى: لا يجوز شد الرحال لشيء من المساجد تعظيما لها، إلا المساجد الثلاثة المذكورة في الحديث.. وهذا هو الراجح، لأنه لا يتعارض مع أوامر الشريعة، أو حثها على شد الرحال إلى أماكن كثيرة وبمقاصد كثيرة، كما لا يتعارض مع واقع السيرة النبوية الشريفة وسيرة المسلمين، كما سيأتي.
أو أنه استثناء من شد الرحال، فيكون المعنى: لا يجوز شد الرحال إلى شيء من الأماكن إلا المساجد الثلاثة.. وهذا هو الذي تمسك به أصحاب هذه الشبهة.
وليس لهذا الكلام معنى إلا أن يراد به قصد مكان من الأماكن تعظيما له بذاته، ولذلك جعلوا النذر بالسفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة ليس ملزما..
وعلى هذا المعنى سوف يخرج كل سفر إلى أي مكان من الأماكن، لا بقصد تعظيمه بذاته، بل لخصوصية فيه، من حكم النهي.. فشد الرحال إلى مكان ما لغرض طلب العلم، ليس هو تعظيما للمكان المقصود بذاته.. وشد الرحال إلى مواقع الجهاد أو لحماية الثغور أو لصلة الرحم ونحو ذلك، ليس فيه شيء من تعظيم الأماكن المقصودة، فليست هذه الأماكن هي علة السفر لعظمة شأنها، وإنما هي غاية السفر لخصوصيات فيها.