والثانية: إن رجالات بني أمية كانوا ينهون عن ذلك ويستنكرونه.
والثالثة: إنها إشارة مفيدة إلى تاريخ النهي عن الزيارة وجذوره الأولى، ولعل هذا الخبر الثابت يكشف لنا عن أقدم ما ورد في النهي عن الزيارة وورود القبر الشريف، وهي ممارسة سياسية، مارسها هذا الوالي الأموي أيام حكومتهم.
يؤكد هذا جواب أبي أيوب الأنصاري لمروان، وفيه التصريح الواضح بأن بني أمية ليسوا من أهل الدين الامناء عليه، بل إنما يخشى على الدين منهم، وهذا الذي يصنعه مروان واحدة فقط من الأحدوثات التي أحدثها وسيحدثها الأمويون في الدين.
الفائدة هذه الأخبار ونظائرها لا تمثل أحداثا منفردة في تاريخ الصحابة، وإنما هي أخبار دونت دون سواها لما وافقها من خصوصية، ساعدت على انتشارها، وما هي إلا شواهد على واقع الحال الذي كان يعيشه جيل الصحابة والذي لم نعرف عنه في مصدر واحد، ولا في حديث واحد - ولو موضوع - نهيا عن زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد من الصحابة بعد وفاتهم. وعدم وجود النهي وحده قاطع بالاثبات، تؤكده هذه الاحداث المروية لما فيها من خصوصيات أفردتها عن العرف السائد.
وتؤيده السيرة الثابتة للصحابة والتابعين أنهم إذا أرادوا الخروج من المدينة أتوا قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للوداع، وإذا دخلوا المدينة ابتدأوا بزيارته والسلام عليه. وهذا أمر ثابت أشهر من أن يحتاج إلى برهان، ولم ينكره أحد ممن له خلاف في