التوسل بالأنبياء والصالحين، فإذا كانت الشريعة قد أباحت ذلك، أو حثت عليه، كما ستثبت مباحث هذا الكتاب، فإنه داخل في إطارها، جار على مسارها، باتجاه أغراضها ومقاصدها.
ولما كان للشريعة مسارها، فهي كلما شرعت فعلا، أو أقرته، رسمت له حدودا، ووضعت له آدابا، بها فقط ينضبط هذا الفعل في مسارها، وسيخرج عن هذا المسار بقدر خروجه عن تلك الحدود والآداب.. كما ستنتزع من الفعل شرعيته إذ ما استبطن غايات أخرى خارجة عن أهداف الشريعة ومقاصدها.
وقليل من الناس هم الذين يستحضرون غايات العبادات وأهدافها الكبرى التي تتجاوز حدود الطاعة المتمثلة بالأداء الصحيح لها الملتزم بأحكامها وآدابها، فكم من بين مئات الألوف من الحجيج الذين يؤدون كل عام فريضة الحج، يستحضر وهو يؤدي مناسكه ما في كل واحدة من هذه المناسك من دروس تربوية وأهداف دينية واجتماعية كبيرة؟
بل كم من هؤلاء من ينظر إلى الوراء، إذا غاب عنه النظر إلى أمام، ليستحضر المواقف التاريخية الكبيرة التي امتزجت بهذه المناسك منذ تشريعها؟
والظاهرة ذاتها قريبة جدا في شأن زيارة القبور، قبور الأنبياء والأئمة الأطهار وكبار الصالحين كانت، أم عموم المقابر، فالزيارة وإن كانت بذاتها ذات أثر شرعي، وأن قصدها لوحدها لا يحبط العمل، بل لا يحرم صاحبه الأجر والثواب، فإن الصحيح أن الشريعة لم تشرع الزيارة لذاتها، بل لعوائد كثيرة تعود على الميت، كما تعود على الحي، وأن من يفقه هذا لهو أفضل بكثير من الطراز الأول، مع فرض تساويهما في صدق النية وحسن الالتزام بأحكام الشريعة وآدابها.