استسقى عمر بالعباس، وقال: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا) ولم يجيئوا إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلين: يا رسول الله ادع لنا واستسق لنا (1). ثم أطال الكلام بما ليس له في الموضوع صلة، إذ طفق يتكلم طويلا عن بناء القبور واتخاذها مساجد والتبرك بها (2).
والتحقيق يثبت خلاف هذا الرأي ويكشف عن ثغرات هذا الاستدلال..
بدءا: إن الاستدلال باستسقاء عمر بالعباس لا ينهض دليلا على الرأي المذكور، لعدة وجوه:
الأول: إذا كان هذا يمثل قناعة عمر بالتوسل بالحي، فليس فيه دلالة على حرمة التوسل بالميت.
الثاني: إذا كان موقف عمر هذا يدل على عدم صحة التوسل بالميت، فليس فيه دلالة على أن هذه هي قناعة كل الصحابة حتى المشاركين له في هذا الاستسقاء. فإذا حمل إقرارهم قول عمر على أنه إجماع سكوتي يدل على صحة رأيه، فهو من ناحية: إنما يدل على إقرارهم التوسل بالحي الذي تم بالفعل، ولا يدل على نفي التوسل بالميت..
هذا إذا عد الاجماع السكوتي حجة، والاختلاف فيه كبير جدا..
فقد أنكر الاجماع السكوتي طائفة كبيرة من الفقهاء، فلم يعدوه إجماعا ولا حجة، وهذا هو مذهب المالكية، وهو قول الشافعي، وداود الظاهري إمام