وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: " جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟
قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أباك " (1).
وفي التوجيه النبوي: من حق الوالد على الولد، أن يخشع له عند الغضب، حرصا على كرامة الآباء من أن تهدر، وفوق ذلك، فقد اعتبر التسبب في شتم الوالدين من خلال شتم الولد للآخرين كبيرة من الكبائر، تستحق الإدانة والعقاب الأخروي. ثم إن البر بهما لا يقتصر على حياتهما فيستطيع الولد المطيع أن يبر بوالديه من خلال تسديد ديونهما أو من خلال الدعاء والاستغفار لهما، وغير ذلك من أعمال البر.
لقد جسد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه التوصيات على مسرح الحياة، ففي الوقت الذي كان يحث المسلمين على الهجرة، ليشكل منهم نواة المجتمع التوحيدي الجديد في المدينة، وفي الوقت الذي كان المسلمون يعدون بالآحاد، تروي كتب السيرة، أن رجلا جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: جئت أبايعك على الهجرة، وتركت أبوي يبكيان؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " إرجع إليهما فاضحكهما كما أبكيتهما " (2)!.
ومن الشواهد الأخرى ذات الدلالة القوية، على تأكيد السيرة النبوية على رعاية حق الوالدين، أن أختا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الرضاعة زارته يوما، فرحب بها ترحيبا حارا، وأكرمها غاية الإكرام، ثم جاء أخوها إليه، فلم يصنع معه ما صنع معها من الحفاوة والإكرام، فقيل له: يا رسول الله: