ورد الأمر القرآني القاضي بالإحسان إلى الوالدين من أجل رسم علاقة متكافئة بين الطرفين، لذا وضع حقهم في المرتبة اللاحقة بعد حقه تعالى.
وبنظرة أعمق جعل الإحسان إلى الوالدين المظهر الاجتماعي للعبادة الحقة، وكل تفكيك بين العبادة ومظهرها الاجتماعي، بالإساءة إلى الوالدين على وجه الخصوص، ولو بكلمة " أف "، يعني إفسادا للعبادة..
كما تفسد قطرة الخل العسل.
للأم حق أكبر:
منح القرآن الأم حقا أكبر، وذلك لما تقدمه من تضحيات أكثر. فالأم هي التي يقع عليها وحدها عبء (الحمل والوضع والإرضاع) وما يرافقهما من تضحيات وآلام، حيث يبقى الطفل في بطنها مدة تسعة أشهر على الأغلب في مرحلة الحمل، يتغذى في بطنها من غذائها، ويقر مطمئنا على حساب راحتها وصحتها، ثم تأتي مرحلة الوضع، الذي لا يعرف مقدار الألم فيه إلا الأم، حيث تكون حياتها - أحيانا - مهددة بالخطر، وتأتي بعدها مرحلة الارضاع والحضانة وما يتخللها من عناء وسهر. فمن أجل كل ذلك يؤكد الإسلام على الأولاد بضرورة القيام بحق الأم، وفاءا بالجميل، واعترافا بالفضل. وفي ظل هذه التضحيات كان من الطبيعي، أن يخص القرآن الأم بالعرفان، ويوصي بها على وجه الخصوص: * (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين..) * (لقمان 31: 14)، وبذلك يؤجج القرآن وجدان الأبناء حتى لا ينسوا أو يتناسوا جهد الآباء وخاصة الأم وما قاسته من عناء، ويصبوا كل اهتمامهم على الزوجات والذرية.