يقول الشيخ أبو علي الطبرسي في معرض تفسيره لهذه الآية: (لما أمر سبحانه بمكارم الأخلاق في أمر اليتامى والأزواج والعيال، عطف على ذلك بهذه الخلال المشتملة على معاني الأمور ومحاسن الأفعال، فبدأ بالأمر بعبادته، فقال: * (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) *، أي: وحدوه، وعظموه، ولا تشركوا في عبادته غيره، فإن العبادة لا تجوز لغيره، لأنها لا تستحق إلا بفعل أصول النعم، ولا يقدر عليها سواه تعالى، * (وبالوالدين إحسانا) *، أي: فاستوصوا بهما برا وإنعاما وإحسانا وإكراما، وقيل: أن فيه اضمار فعل، أي: وأوصاكم الله بالوالدين إحسانا، * (وبذي القربى واليتامى والمساكين) *، معناه: أحسنوا بالوالدين خاصة، وبالقرابات عامة، يقال:
أحسنت إليه وأحسنت به، وأحسنوا إلى المساكين فلا تضيعوهم، وأعطوهم ما يحتاجون إليه من الطعام والكسوة وسائر ما لا بد منه لهم، * (والجار ذي القربى والجار الجنب) *، قيل معناه: الجار القريب في النسب، والجار الأجنبي الذي ليس بينك وبينه قرابة - إلى أن يقول -: وهذه آية جامعة تضمنت بيان أركان الإسلام، والتنبيه على مكارم الأخلاق. ومن تدبرها حق التدبر، وتذكر بها حق التذكر أغنته عن كثير من مواعظ البلغاء، وهدته إلى جم غفير من علوم العلماء) (1).
والنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلال إصراره على حق الجوار، تمكن من قلب قيم وعادات المجتمع الجاهلي رأسا على عقب. صحيح أن المجتمع الجاهلي كان يحترم الجوار ويرعى - في الأعم - حرمته وعرضه وفي ذلك قال الشاعر ربيعة بن عامر (مسكين الدارمي) (ت / 89 ه):