الوصول إلى الحق والحقيقة، حيث عقدوا المناظرات مع الخصوم، وشكلوا الحلقات التي برزت آراءهم في شتى المجالات. فعلى سبيل المثال قام الإمامان الباقر والصادق (عليهما السلام)، بدور فكري بارز في النصف الأول من القرن الثاني الهجري، وكانت فترة استقرار نسبي وانفتاح ثقافي، فعقدوا المناظرات مع العلمانيين من ملاحدة وزنادقة وكذلك مع علماء المذاهب الإسلامية.
ولعل من أجلى الشواهد على إيمان الأئمة (عليهم السلام) بحق التفكير والتعبير، هو مناظراتهم مع الخوارج الذين كانوا من أشد الفرق عداءا للإمام علي (عليه السلام) وأهل بيته الأطهار، وقد شكل الخوارج تيارا فكريا وسياسيا معارضا. فقد حاججهم الإمام علي (عليه السلام) بنفسه قبل معركة النهروان عندما أطلقوا مقولتهم المعروفة: (لا حكم إلا لله)، فقد أقر الإمام علي (عليه السلام) بأنها كلمة حق ولكن أريد منها الباطل وطمس الحقيقة المتمثلة بأن عليا (عليه السلام) إمام حق. ولقد منحهم الإمام حرية التعبير عما في ضمائرهم ما لم يؤد ذلك إلى إراقة الدماء، وحينئذ يسقطون حقهم الطبيعي بالتعبير لاحتكامهم إلى السيف والعنف.
والملاحظ أن الأئمة (عليهم السلام) واجهوا خصومهم بأسلوب الحوار العقلاني، وتكلموا معهم بالتي هي أحسن، ولكن خصومهم كانوا يستعملون أسلوبا يغلب عليه طابع التحدي. ينقل المؤرخ محمد بن جرير الطبري (ت / 310 ه): (إن عليا لما دخل الكوفة دخلها ومعه كثير من الخوارج، وتخلف منهم بالنخيلة وغيرها خلق كثير لم يدخلوها، فدخل حرقوص ابن زهير السعدي وزرعة ابن البرج الطائي - وهما من رؤوس الخوارج - على علي (عليه السلام)، فقال له حرقوص: تب من خطيئتك، واخرج بنا إلى