التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٠٣
الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) (الرعد - 14) وأمثال هذا في القرآن في دعاء المسألة أكثر من أن يحصر وهو يتضمن دعاء العبادة، لأن السائل أخلص سؤاله لله وذلك من أفضل العبادات، وكذلك الذاكر لله والتالي لكتابه ونحوه طالبا من الله في المعنى فيكون داعيا عابدا.
فتبين بهذا من قول شيخ الإسلام إن دعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة، كما أن دعاء المسألة متضمن لدعاء العبادة " (1).
فمن هذا البحث الضافي حول الدعوتين وكون إحداهما مسألة عبادية، والأخرى مسألة غير عبادية، تتضح أمور:
الأول: كيف استفاد ابن تيمية من الآية: (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) والآية: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) أن طلب الحاجة من أحد تكون دعوة عبادة للمدعو.
فإذا كانت لفظة (ادعوا) في قوله سبحانه: (ادعوا ربكم تضرعا) ولفظة (لا تدعوا) في قوله سبحانه: (فلا تدعوا مع الله) بمعنى المناداة فكيف تكون الدعوة الطلبية مستلزمة للدعوة العبادية؟
إن هاتين الآيتين - على فرض دلالتهما - (ولا دلالة لهما) لا تدلان على أكثر من النهي عن دعوة غير الله، وأما أن دعوته تكون مستلزمة لعبادته، فلا يدل ظاهر الآية عليه أبدا إذ أن النهي عن الشئ ليس دليلا على كون المنهي عنه مصداقا للعبادة.
الثاني: إن الدعوة الطلبية إنما تستلزم الدعوة العبادية إذا اعتقد الداعي بإلوهية المدعو على مراتبها، ففي هذه الموارد تستلزم الدعوة الطلبية: الدعوة

(1) فتح المجيد: 166.
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 107 109 110 ... » »»