التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٠١
فالمقصود من قوله سبحانه: (وإن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) وما شابهها مما تقدم في أول البحث هو الدعوة العبادية التي كان المشركون يقومون بها أمام اللات والعزى ومناة أو الأجرام الفلكية والملائكة والجن، وكأن الآية تريد أن تقول: (فلا تعبدوا مع الله أحدا).
فلو نهى القرآن الكريم عن إشراك غير الله معه سبحانه في العبادة، فأي ربط لهذه المسألة بمسألة دعوة الصالحين وطلب الحاجة منهم مما يقدرون عليها بإذن الله وإقداره:
فإذا قال القرآن الكريم:
(والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ) (الرعد - 14).
(والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم) (الأعراف - 197).
(إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم) (الأعراف - 194).
(والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير) (فاطر - 13).
(قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا) (الأنعام - 71).
(ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك) (يونس - 106).
وما سواها من الآيات مما يوجد في القرآن بوفرة، فكل هذه الآيات مرتبطة بالدعوة التي تكون عبادة للأصنام والكواكب والملائكة والجن، باعتبار أنها آلهة صغار وباعتبار أنها معبودات ومدبرة للكون وشفعاء تامي الاختيار، ولا مرية في أن أية دعوة تكون هكذا، تكون مصطبغة - لا محالة - بصبغة العبادة، فأي ربط لهذه الآيات بدعوة الصالحين وطلب الشفاعة منهم مع الاعتقاد بأنهم لا يقدرون على شئ بدون الإذن الإلهي، ومع الاعتقاد بأنهم لا يملكون أي مقام إلهي وربوبي وتدبير، وما شابههما؟! فهل يمكن قياس الدعوتين بالأخرى، وبينهما بون شاسع.
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 107 ... » »»