العبادية، بل هي الدعوة العبادية عينها وليست مستلزمة لها، وتكون مثل هذه الدعوة عبادة لا أنها مستلزمة للعبادة.
ولكن إذا دعى الداعي أحدا، مجردا عن الاعتقاد المذكور، فلا تكون دعوته - حينئذ - عبادة له.
الثالث: من الغريب جدا أن تصح الاستغاثة بالأحياء وتكون مشروعة - على الإطلاق - غافلا عن أنه لو كان مطلق الاستغاثة بغير الله (حتى إذا لم تكن مصحوبة بالاعتقاد بإلوهية أو مالكية المستغاث) شركا لما كان لموت المدعو وحياته أي أثر في هذا القسم.
وما ورد عن النبي الأكرم من أن الدعاء مخ العبادة، فالمراد هو الدعوة الخاصة، أعني: ما إذا كانت مصحوبة بالاعتقاد بإلوهية المدعو.
وبتعبير آخر: أن المقصود بالدعاء في الحديث المذكور إنما هو دعاء الله، فيكون دعاء الله مخ العبادة.
فأي ربط لهذا الحديث بدعوة الصالحين التي لا تكون مقرونة بأي شئ من الاعتقاد بإلوهية المدعو؟!!
نعم يبقى هنا سؤال وهو أن دعوة الغير وإن لم تكن عبادة له على ما أوضحناه، ولكنها أمر محرم بحكم هذه الآيات، فدعوة الصالحين من الأموات من الدعوات المحرمة، لأنها دعوة غيره سبحانه، ودعوة الغير منهية عنه، نعم لا تشمل الآيات دعوة الأحياء، لأنه أمر جائز بالضرورة، فيستنتج منها حرمة دعوة الصلحاء الماضين وإن لم يكن شركا.
والجواب عنه واضح بعد الإحاطة بما ذكرناه لأن الآيات ناظرة إلى دعوة خاصة صادرة من المشركين، وهي دعوة آلهتهم وأربابهم المزعومة، والنهي عن هذه الدعوة المخصوصة لا توجب حرمة جميع الدعوات حتى فيما لم تكن بهذه المثابة.