وأوضح دليل على ما ذكرناه هو ما اعترف به السائل من عدم شمول الخطابات لدعوة الأحياء وطلب الحاجة منهم، فإن خروج هذا القسم ليس خروجا عن حكم الآيات حتى يكون تخصيصا، بل خروج عن موضوعها وعدم شمولها له من أول الأمر، وليس الوجه لخروجه عن الآيات إلا ما ذكرناه من أن الآيات ناظرة إلى الدعوة التي كان المشركون يقومون بها طيلة حياتهم وهي دعوة الأصنام والأوثان بما هي آلهة، بما هم يملكون لهم النفع والضر والشفاعة والغفران، وهذا الملاك ليس بموجود في دعوة الصلحاء.
ولأجل هذه العقيدة في حق الآلهة يقول سبحانه، في الإله الذي صنعه السامري:
(هذا إلهكم وإله موسى فنسي * أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا) (طه 88 - 89).
ومما يدل على ما ذكرناه هو تكرار كلمة (من دونه) في الآيات فإنها ليست لتعميم كل دعوة متوجهة إلى غيره سبحانه حتى نحتاج إلى إخراج بعض الأقسام أعني:
دعوة الأحياء لطلب الحوائج، أو دعوة الأموات لا لطلب الحاجة، بل للتوسل والاستشفاع، بل جيئ به لتبيين خصوصية هذه الدعوة. وهي دعوة الغير بظن أنه يقوم بالفعل مستقلا من دون الله كما هو المزعوم للمشركين في آلهتهم.
وأما طلب الحاجة ممن لا يقوم (في زعم الداعي) إلا بأمره سبحانه ومشيئته بحيث لا تكون دعوته منفكة عن دعوة الله سبحانه فلا يصدق عليه قوله تعالى:
(والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ) (الرعد - 14).