التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٠٢
إن أوضح دليل على التباين بين هاتين الدعوتين هو أن الوهابيين يعتقدون بأن مثل هذا الطلب من الأنبياء الصالحين شرك حرام بعد وفاتهم، وجائز مشروع حال حياتهم. وقد أثبتنا - فيما سبق - أن الموت والحياة غير مؤثرين - مطلقا - في ماهية العمل، وفي جوازه وعدم جوازه.
ومما سبق تبين ما في " فتح المجيد " إذ قال:
" وقوله: (أو يدعو غيره): إعلم أن الدعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة، ويراد به في القرآن هذا تارة وهذا تارة أخرى، ويراد به مجموعهما.
فدعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو كشف ضر ولهذا أنكر الله على من يدعو أحدا من دونه ممن لا يملك ضرا ولا نفعا كقوله تعالى: (قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم) (المائدة:
76) وقوله: (أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين) (الأنعام - 71) وقال:
(ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين) (يونس - 106).
قال شيخ الإسلام [ابن تيمية]: فكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة قال الله تعالى: (ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين) (الأعراف - 55) وقال تعالى: (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين * بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون) (الأنعام - 40 - 41). وقال تعالى: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا) (الجن - 18) وقال تعالى: (له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ إلا كباسط كفيه إلى
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 107 109 ... » »»