التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٩٤
الضابطة التي مرت في تحديد معنى العبادة ومفهومها، فهل المسلم المتوسل بالأنبياء والأولياء يعتقد فيهم " إلوهية " أو " ربوبية " ولو بأدنى مراتبها وقد عرفت معنى الألوهية والربوبية بجميع مراتبهما ودرجاتهما، أو أنه يعتقد بأنهم عباد مكرمون عند الله تعالى تستجاب دعوتهم، ويجاب طلبهم بنص القرآن الكريم.
فلو توسل المتوسل بالأنبياء والأولياء بالصورة الأولى كان عمله شركا، يخرجه عن ربقة الإسلام.
ولو توسل بالعنوان الثاني لم يفعل ما يزاحم التوحيد ويضاهي الشرك أبدا.
وأما أن توسله بهم مفيد أم لا، محلل أو محرم من جهة أخرى غير الشرك فالبحث فيهما خارج عن نطاق البحث الحاضر الذي يتركز الكلام فيه على تمييز التوحيد عن الشرك، وبيان ما هو شرك وما هو ليس بشرك.
2): طلب الشفاعة من الصالحين الذين ثبتت شفاعتهم بنص القرآن الكريم والسنة الصحيحة:
فإن طلب الشفاعة منهم إن كان بما أنهم مالكون للشفاعة وأنها حق مختص بهم، وإن أمر الشفاعة بيدهم، أو أنه قد فوض إليهم ذلك المقام، فلا شك أن ذلك شرك وانحراف عن جادة التوحيد، واعتراف بإلوهية الشفيع (المستشفع) وربوبيته، ودعوة الصالحين للشفاعة بهذا المعنى والقيد شرك لا محالة.
وأما إذا طلب الشفاعة من الصالحين بما أنهم عباد مأمورون من جانب الله سبحانه للشفاعة في من يأذن لهم الله بالشفاعة له، ولا يشفعون لمن لم يأذن الله بالشفاعة له، وأن الشفاعة بالتالي حق مختص بالله بيد أنه تعالى، يجري فيضه على عباده عن طريق أوليائه الصالحين المكرمين.
فالطلب بهذا المعنى وبهذه الصورة لا يزاحم التوحيد، ولا يضاهي الشرك،
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»