التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٧٥
سؤال وجواب:
أما السؤال فهو أنه لا شك أن الدعوى الأولى ثابتة فالمشركون كانوا معتقدين بإلوهية الأوثان، وما أورد من الآيات قد أثبتت ذلك بوضوح، غير أن الدعوى الثانية غير ثابتة، وقصارى ما يستفاد من هذه الآيات هو أن عبادتهم كانت ناشئة من الاعتقاد بألوهيتها وهذا لا يدل على دخول مفهوم الألوهية في مفهوم العبادة كما هو المدعى - أو دخول كون النشوء عن ذلك الاعتقاد، في مفهومها.
وعلى الجملة فهذه الآيات لا تدل على أكثر من أن عبادتهم للأوثان كانت مصحوبة بهذا الاعتقاد أو ناشئة عنه.
وأما كون العبادة موضوعة للخضوع الناشئ عن الاعتقاد بالإلوهية بحيث يكون النشوء عن تلك العقيدة جزءا لمعنى العبادة فلا يستفاد من الآيات.
وأما الجواب فنقول: إنما يرد الإشكال لو قلنا بأن " الاعتقاد بالإلوهية " داخل في " مفهوم العبادة " وضعا حتى يقال إن هذه الآيات لا تعطي أزيد من أن العبادة من شؤون الألوهية، وهذا غير القول باندراج مفهوم الألوهية في مفهوم العبادة، إنما المراد أن العبادة ليست مطلقة الخضوع والتذلل بل أضيق وأخص منهما، وهذا أمر يعرفه كل إنسان بوجدانه وفطرته، غير أننا نشير إلى هذه الخصوصية ونميز هذا الضيق بأنه خضوع " ناشئ عن الاعتقاد بالإلوهية أو الربوبية " كما سيوافيك في التعريف الثاني، لا أن هذه الجملة (ناشئ عن الاعتقاد بالإلوهية والربوبية) داخلة بتفصيلها في مفهوم العبادة، ومعناها.
وبعبارة أخرى، أن الإنسان قد لا يقدر على تعريف شئ بنوعه وفصله، أو حده ورسمه حتى يحده تحديدا عقليا لا خدشة فيه، ولكنه يجد في نفسه ما هو
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 69 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»