فإن جعل لفظ الجلالة في عداد سائر الأسماء والأمر بدعوة أي منها، ربما يشعر بخلوه عن معنى العلمية، وتضمنه معنى الوصفية الموجودة في لفظ: " الإله " وغيره، ومثله قوله سبحانه:
(هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى) (الحشر - 24) فلا يبعد في هاتين الآيتين أن يكون لفظ الجلالة ملحوظا على وجه الكلية لا العلمية الجزئية، كما هو الظاهر لمن أمعن فيها.
نعم، ربما يقال من أن لفظ الجلالة من إله بمعنى عبد، أو من إله بمعنى تحير، لأجل أن العبد إذا تفكر فيه تحير، أو من إله معنى فزع لأن الخلق يفزعون إليه في حوائجهم، أو من إله بمعنى سكن لأن الخلق يسكنون إلى ذكره.
أو أنه متخذ من لاه بمعنى احتجب لأنه تعالى المحتجب عن الأوهام، أو غير ذلك مما ذكروه (1) ولكن ذلك مجرد احتمالات غير مدعمة بالدليل، وعلى فرض صحتها، أو صحة بعضها فلا تدل على أكثر من ملاحظة تلك المناسبات يوم وضع وأطلق لفظ الجلالة أو لفظ الإله عليه سبحانه، وأما بقاء تلك المناسبات إلى زمان نزول القرآن، وأن استعمال القرآن لهما كان برعاية هذه المناسبات فأمر لا دليل عليه مطلقا.
والظاهر أن هذه المعاني من لوازم معنى الإله وآثاره، فإن من اتخذ أحدا إلها لنفسه فإنه يعبده قهرا، ويفزع إليه عند الشدائد، ويسكن قلبه عند ذكره، إلى غير ذلك من اللوازم والآثار التي تستلزمها صفة الألوهية، ولو لاحظ القارئ الكريم الآيات التي ورد فيها لفظ الإله، وما احتف بها من القرائن لوجد أنه لا يتبادر من الإله غير ما يتبادر من لفظ الجلالة، سوى كون الأول كليا والثاني جزئيا.