التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١١٢
إن السلطة على الكون بجميعه - فضلا عن بعضه - إذا كانت بأقدار الله تعالى وبإذن منه - فهي بنفسها - لا تلازم الألوهية، فكما أن الله أعطى لآحاد الإنسان قدرة محدودة في أمورهم العادية وفضل بعضهم على بعض في تلك القدرة، فكذلك لا مانع من أن يعطي لفرد أو أفراد من خيار عباده قدرة تامة غير عادية على جميع الكون، أو بعضه، وذلك بنفسه لا يستلزم الألوهية، والذي يمكن أن يقع عليه الكلام هو البحث عن وجود تلك القدرة وأنه سبحانه هل أعطى ذلك أو لا؟
والقرآن يصرح بذلك في عدة موارد، منها ما ورد في شأن يوسف - عليه السلام - .
* النبي يوسف والسلطة الغيبية:
أمر يوسف - عليه السلام - إخوته بأن يأخذوا قميصه إلى أبيه ويلقوه على بصره ليرتد بصيرا كما يقول القرآن الكريم في هذا الشأن:
(اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا) (يوسف - 93).
(فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا) (يوسف - 96).
إن ظاهر الآية يعطي أن رجوع البصر إلى يعقوب كان بإرادة يوسف وأنه لم يكن فعلا مباشريا لله سبحانه وإنما فعل ما فعله يوسف بقدرة مكتسبة منه سبحانه.
ولو كان إشفاء يعقوب مستندا إلى الله سبحانه مباشرة بلا دخالة يوسف لما أمر إخوته أن يلقوا قميصه على وجه أبيهم، بل يكفي هناك دعاؤه من مكان بعيد، وليس هذا إلا تصرف لولي الله في الكون بإذنه سبحانه.
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 107 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»