الخطاب في هاتين الآيتين الكريمتين من الله عز وجل إلى النبي (ص) يخبره - مؤكدا له - ان الكتاب الذي أوحاه الله إليه - وهو القرآن - هو الحق الذي لا يشوبه باطل مطلقا، ويوضح ذلك قوله تعالى في سورة فصلت: (وإنه لكتاب عزيز (41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ([فصلت / 42 - 43].
فهذا الكتاب الذي هو الحق جاء (مصدقا لما بين يديه (أي مصدقا للكتب الإلهية التي أنزلها الله قبله من صحف وتوراة وإنجيل وزبور، وان الله بعباده لخبير بصير، أي لا يخفى عليه شيء من أعمالهم لخبرته بهم، وإبصاره لأعمالهم عند صدورها منهم.
ثم يقول الخبير البصير سبحانه في الآية الثانية: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا (أي هذا الكتاب هو الحق أورثناه الذين اصطفينا من عبادنا، أي تركناه فيهم يقومون بأمره بعد النبي (ص) من بعد ما كان هو (ص) القائم بأمره، المتصرف فيه، والداعي إليه، والإرث كما يكون للمال المادي كذلك يكون للعلم والجاه وسائر الأمور المادية والمعنوية، وعلى هذا يكون إيراث هذا الكتاب - في خصوص هذه الآية الكريمة - إيراثا عاما لكل ما في هذا الكتاب من أنواع العلوم والمعارف للذين اصطفاهم الله من عباده بعد رسوله (ص) لا مجرد الكتاب المجموع ما بين الدفتين بل هو، وما يحتوي عليه الكتاب من علوم ومعارف مطلقا.
والاصطفاء معناه أخذ صفوة الشيء، ويقرب معنى الاصطفاء من معنى الاختيار، ولكن الفرق بينهما ان الاختيار أخذ الشيء من بين