فقالوا: ان هذا الفتى وان راقك منه هدية إلا انه صبي لا معرفة له ولا فقه، فأمهله ليتأدب ثم اصنع ما تراه بعد ذلك، فقال لهم: ويحكم إني أعرف بهذا الفتى منكم، وان أهل هذا البيت علمهم من الله، ومواده وإلهامه، لم تزل آباؤه أغنياء في علم الدين، والأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فإن شئتم فامتحنوه بما يتبين لكم به ما وصفت من حاله، قالوا: قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه، فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة، فان أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره، وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أمير المؤمنين فيه، وان عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه، فقال لهم المأمون شأنكم وذلك متى أردتم.
مسألة يحيى بن أكثم للإمام الجواد (ع) فخرجوا من عنده، وأجمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم وهو يومئذ قاضي الزمان، على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك.
وعادوا إلى المأمون وسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع، فأجابهم إلى ذلك، فاجتمعوا في اليوم الذي إتفقوا عليه، وحضر معهم يحيى بن أكثم وأمر المأمون بأن يفرش لأبي جعفر فراشا حسنا وان يجعل له مسورتان، (أي وسادتان)، ففعل له ذلك.
وخرج أبو جعفر فجلس بين المسورتين، وجلس القاضي مقابله، وجلس الناس من خواص الدولة وأعيانها وحجابها وقوادها في مراتبهم وعلى قدر طبقاتهم ومنازلهم، والمأمون جالس إلى جنب أبي جعفر (ع)