التحقيق في الإمامة و شؤونها - عبد اللطيف البغدادي - الصفحة ١٢٤
وقال (ع): من زهد في الدنيا، ولم يجزع من ذلها، ولم ينافس في عزها " أي لم يفاخر غيره تطاولا عليه " هداه الله بغير هداية من مخلوق، وعلمه بغير تعليم، وأثبت الحكمة في صدره، وأجراها على لسانه (1).
ويقول النبي (ص): ليس العلم في السماء فينزله عليكم، ولا في الأرض فيخرج إليكم، ولكنه مودع في نفوسكم، تخلقوا بأخلاق الروحانيين يظهر لكم.
فتذكر - أيها المطالع الكريم - في ان أي مؤمن من سائر المؤمنين جاهد في الله استحق الهداية الخاصة من الله تعالى، وأنه يكون مع المحسنين المجاهدين هاديا ومرشدا وناصرا ومعلما، وأن من أخلص لله أربعين صباحا انفجرت وظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه، ومن عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم، ومن زهد في الدنيا ولم يجزع ولم يفاخر غيره تطاولا هداه الله بغير هداية من مخلوق وعلمه بغير تعليم، وأثبت الحكمة في صدره، وأجراها على لسانه، إذا كيف بمن كان مجاهدا في الله حق الجهاد طيلة حياته بكل ما للجهاد من معنى، ومخلصا له عز شأنه في عباداته كافة وأنواع تصرفاته في كل أيامه ولياليه لا يريد بذلك إلا وجهه الكريم وطلب رضاه، وعاملا بكل ما أوتي من علم على الإطلاق من كلي وجزئي، وزاهدا في الدنيا بكل ما للزهد من معنى، فهذا الإنسان المتصف بأعلى وأرقى هذه الصفات من الجهاد والإخلاص والعمل الصالح مع الزهد، وقد علم الله ذلك منه

(1) (البحار) ج 78 ص 63.
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»