المخالفة، إن لم نقل: إنه يستفاد من الرواية نفي قاطع حتى لإمكان صدور مثل ذلك عنه صلى الله عليه وآله، بحيث يستحق العتاب والتوبيخ؟ إذ لا معنى لهذا النفي لو كان الله تعالى قد عاتبه فعلا. ولعلك تقول: إنه إذا كان المقصود بالآيات شخص آخر؟ فما معنى قوله تعالى: فأنت له تصدى!
وقوله: فأنت عنه تلهى، فإن ظاهره: أن هذا التصدي والتلهي من قبل من يهمه هذا الدين؟ فيتصدى لهذا، ويتلهى عن ذاك.
فالجواب: أنه ليس في الآيات ما يدل على أن التصدي كان لأجل الدعوة إلى الله أو لغيرها، فلعل التصدي كان لأهداف أخرى دنيوية، ككسب الصداقة، أو الجاه، أو نحو ذلك. وقوله تعالى: لعله يزكى، ليس فيه أنه يزكى على يد المخاطب، بل هو أعم من ذلك، فيشمل التزكي على يد غيره ممن هم في المجلس، كالنبي صلى الله عليه وآله، أو غيره.
ثم لنفرض: أنه كان التصدي لأجل الدعوة، فإن ذلك ليس محصورا به صلى الله عليه وآله؟. فهم يقولون: إن غيره كان يتصدى لذلك أيضا، وأسلم البعض على يديه، لو صح ذلك!.
وبعد ما تقدم، فإن الظاهر هو أن الرواية الصحيحة، هي ما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام: أنها نزلت في رجل من بني أمية كان عند النبي فجاءه ابن أم مكتوم. فلما جاءه تقذر منه، وعبس في وجهه، وجمع نفسه، وأعرض بوجهه عنه، فحكى الله سبحانه ذلك عنه، وأنكره عليه.
ويلاحظ: أن الخطاب في الآيات لم يوجه أولا إلى ذلك الرجل؟. بل تكلم الله سبحانه عنه بصورة الحكاية عن الغائب: إنه عبس، وتولى، أن جاءه الأعمى. ثم التفت إليه بالخطاب، فقال له مباشرة: وما يدريك.