عليك ألا يزكى. للإيحاء له بأن عدم حصوله على التزكية، بعد إقامة الحجة عليه، من قبلك، مدة طويلة، لا يمثل مشكلة بالنسبة إليك لأنك لم تقصر في تقديم الفرص الفكرية بما قدمته من أساليب الإقناع، مما جعل من التجربة الجديدة تجربة غير ذات موضوع، لأنه يرفض الهداية من خلال ما يظهر من سلوكه، الأمر الذي يجعل من الاستغراق في ذلك مضيعة للوقت، وتفويتا لفرصة مهمة أخرى، وهي تنمية معرفة هذا المؤمن الداعية الذي يمكن أن يتحول إلى عنصر مؤثر في الدعوة الإسلامية.
فأين هي المشكلة الأخلاقية المنافية للعصمة في هذا كله؟
النقطة الثالثة: إن السورة قد تكون واردة في مقام توجيه النبي (ص) إلى الاهتمام بالفئة المستضعفة التي تخشى الله وتؤمن به، لتعميق تجربتها الروحية، وتنمية معرفتها القرآنية الإسلامية، لأن ذلك هو الذي يمكن أن يقوي قاعدة المجتمع الإسلامي الصغير النامي الذي يملك أفراده الإيمان القوي والالتزام الشديد، ويرفع من مستوى الدعوة في اهتمامات المؤمنين ليتحولوا إلى دعاة أكفاء، كما أن هذه الفئة هي الأكثر استعدادا لبذل الجهد، وتحمل المسؤوليات وتقديم التضحيات، لأنهم الأقرب إلى روح الدعوة، ولأنهم لم يستغرقوا في خصوصيات الدنيا، ولم يأخذوا بامتيازاتها كما أخذ غيرهم، فهم لا يفقدون شيئا من امتداد الإسلام، كما يفقد الأغنياء والمستكبرون، بل يستفيدون من ذلك.
ولعل هذا ما نستوحيه من الظاهرة المعروفة، وهي أن أتباع الأنبياء والمصلحين هم الفئة المستضعفة المرذولة في المجتمع، لأن الدعوات الرسالية والإصلاحية تعالج مشاكلها، وتلتقي بتطلعاتها، وتحترم إنسانيتها المسحوقة