وأما الاختلاف بين الصنفين فيمكن رفع ذلك بوجهين:
الأول: إن موقف الصنف الأول غير موقف الصنف الثاني، فالأول بصدد بيانه ما تصان به الدماء وتحل به الذبائح، وتجوز المناكحة فيكفي في ذلك الاعتراف بالشهادتين المعربتين عن التصديق بهما قلبا. وأما الثاني فهو بصدد بيان ما ينجي الإنسان من عذاب الآخرة وهو رهن العمل بالأحكام وقد ذكرنا نماذج منه، لتكون إشارة إلى غيرها.
الثاني: إن ما جاء به النبي ينقسم إلى ضروري يعلم من غير نظر واستدلال ويعرفه كل من ورد حظيرته كوجوب الصلاة والزكاة وصوم رمضان، وإلى غير ضروري يقف به من عمر في الإسلام وعاش بين المسلمين وتخالط مع العلماء والوعاظ، أو نظر في الكتاب والسنة، فإن إنكار القسم الأول إنكار لنفس الرسالة، بحيث لا يمكن الجمع - في نظر العرف - بين الشهادة على الرسالة وإنكار وجوب الصلاة والزكاة، ولأجل ذلك لا يعذر فيه ادعاء الجهل عند الإنكار إلا إذا دلت القرائن على جهل المنكر بأنه ضروري كما إذا كان جديد العهد بالإسلام، وسيوافيك حكم منكر الضروري في الفصل القادم. وعلى هذا لا منافاة بين الصنفين فلعل عدم ذكرها في الصنف الأول للاستغناء عنه بالاعتراف بالرسالة غير المنفكة عن الاعتراف بها.
وبذلك يظهر: أن المسائل الفرعية والأصولية الكلامية وإن كانت من صميم الإسلام لكن لا يجب الإذعان القلبي بها تفصيلا، بل يكفي الإيمان بها إجمالا حسب ما جاء به النبي فيكفي في الإيمان، الإذعان بأن القرآن نزل من الله ، من دون لزوم عقد القلب بقدمه أو حدوثه، وأن الله عالم وقادر من دون لزوم تبيين موقع الصفات وأنها عين الذات أو زائدة عليها، وقس على ذلك جميع المسائل الكلامية والفقهية إلا ما خرج.