ولا يخفى أن الاستدلال بهذه الآيات غير تام جدا فإنها تدعو إلى التدبر في نفس المفاهيم المستفادة من ظاهر الآيات وكون القرآن عربيا، وكون القوم عربا لا يكفي في فهم القرآن الكريم من دون التدبر والإمعان فهل يكفي كون القوم عربا في فهم مغزى قوله سبحانه: * (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم) * (1).
أو في فهم قوله سبحانه: * (وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون) * (2).
أو فهم قوله سبحانه: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون) * (3).
فالدعوة إلى التدبر لا يدل على أن للقرآن وراء ما تفيده ظواهره بطنا.
أضف إلى ذلك أنه يمكن أن يكون الأمر بالتدبر هو تطبيق العمل على ما يفهمونه من القرآن فرب ناصح يدلي بكلام فيه نصيحة الأهل والولد، ولكنهم إذا لم يطبقوا عملهم على قول ناصحهم يعود الناصح إليهم، ويقول: لماذا لا تتدبرون في كلامي؟ لماذا لا تعقلون؟ مشعرا بذلك أنكم ما وصلتم إلى ما أدعوكم إليه وإلا لتركتم أعمالكم القبيحة وصرتم عاملين بما أدعو إليه.
وأما ما روي عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن للقرآن بطنا وظهرا فالحديث فيه ذو شجون وأنه يحتمل وجوها على نحو مانعة الخلو.
1 - المقصود من البطن هو أن ما ورد في القرآن حول الأقوام والأمم من القصص، وما أصابهم من النعم والنقم، لا ينحصر على أولئك الأقوام، بل هؤلاء