إن الذي يبدو أقرب إلى منطق الواقع وأكثر انسجاما مع مناخ القرآن الكريم هو أن يقرع المشركين على مثل هذا السلوك في اللجوء إلى اليهود والنصارى والوثوق بأخبارهم لو كان حاصلا في الواقع، لا أن يقرهم عليه، وأن ينهاهم عنه لا أن يدلهم عليه، وأن يبين لهم سوء نواياهم هؤلاء الذين محضوهم ثقتهم وهم على ما هم من الغش ونية السوء وعدم النزاهة.
ويجدر الالتفات هنا إلى أن هذه الإحالة على (أهل الذكر) بالسؤال، إن كان القصد أهل الكتاب، وكانت الإحالة تعنى هذه الحالة الخاصة، وبغض النظر عن أن النص قد أنشأ قاعدة عامة، هذه الإحالة تكسب سؤالهم في حالات أخرى مشروعية، على الأقل من وجهة نظر المشركين، خاصة أن الإقرار ببشرية الرسول أو عدم جبرية الإيمان لا يحسم الموضوع، ولا يعني الدلالة على نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) ليصبح قوله بعد ذلك ميزان الحق، ويستغنى به عن مزيد من سؤالهم.
ومع افتراض حسن النية والأمانة لدى المسؤولين، فإن نشوء هذه المشروعية لا يمكن علاجه، حين يكون موضوع السؤال مما يختلف مضمونه لدى أهل الكتاب عما هو في القرآن، فلا معنى على الأقل من وجهة نظر المشركين أن يقبل قولهم حين يوافق ويرفض حين يخالف، لا سيما أن المشركين يكونون أقرب إلى تصديق اليهود، إن كان ما ادعاه ابن خلدون أو سواه من رجوع العرب إليهم صحيحا.