الإمامة تلك الحقيقة القرآنية - الدكتور زهير بيطار - الصفحة ٢٧٤
وأصل دلالته اللغوية، دون المجاز، وبما يتوافق مع السياق السائد في استعماله القرآني، وبهذا يصبح الوصف الذي أعطي للمؤمنين المعنيين بالولاية مميزا لهم بأمر عظيم قد تفردوا به، فتتضح حدود الفريضة، ويعطى المبرر المعقول لماذا حصرت الولاية في هؤلاء المؤمنين دون غيرهم كما يقتضيه قوله " إنما... "، ويتجلى الوصف كفعل ينطوي على دلالات عميقة في البنية النفسية والأخلاقية لصاحبه، ويستحق التنويه الإلهي، وجعله نموذجا يدعى إليه المؤمنون المخاطبون، ويغدو مضمونه منسجما مع مناخ الفريضة، إذ يعبر عن عميق حرص فاعله على مصداقية الدين وحقائقه وقيمه التي يدعو إليها، وعلى مصداقية المؤمنين، وعلى مشاعر المستضعفين، وعميق التصاقه بالرسالة وقيمها، حين بادر إلى تلبية السائل الفقير وهو في حال الركوع من الصلاة خشية أن يغادر المسجد خائبا، بعد أن صده الحاضرون جميعا، ولم يلهفوه في حاجته، مع ما يعبر عنه هذا الصدود الجماعي من ضعف الإحساس الاجتماعي بقيم الإسلام في التعاون والإحسان والرحمة والتواضع للضعيف وطلب رضى الرب، فجاءت مسارعة علي (ع) إلى التصدق ولو خلال الصلاة ليكشف للمؤمنين ضعفهم، ويصحح ما وقعت جماعتهم فيه من الخطأ، وليؤكد مصداقية الدعوة وقيمها ويظهر تجسيدها في الواقع الحياتي.
على أن إزاحة اللفظ عن ظاهر الدلالة وأصلها إلى المعنى الثانوي بالمجاز، إضافة إلى ما سبق بيانه فإنه كذلك يؤدي إلى اضطراب شديد وتناقضات جذرية في دلالة النص، تصدع بنيته وصياغته، وتتنافى مع صحة التعبير وسلامة البيان.
(٢٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 269 270 271 272 273 274 275 276 277 279 281 ... » »»