مرسلا..) *. أفلا يعني هذا تفسيرا عمليا واقعيا لقوله تعالى: * (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) *، فلم يكن النبي (صلى الله عليه وآله بحاجة إلى من يعينه على الاحتجاج على هؤلاء من كتبهم، ولم يكونوا ليقتنعوا من أخيه بما لم يقنعهم منه، ولا كانوا يعترفون بأي منهما، فما كان حضور أخي رسول الله صلوات الله عليهما لمزيد من الاقتناع، وإن كان مما يرتجي، بل للشهادة بينه وبينهم، الشهادة الخالصة للحق، لتكون الحجة عليهم أبلغ، فكما يشهد له على اليهود والنصارى فيشهد له على المشركين بأنه حقا رسول الله، ولئن كان حكم الزانية موجودا في التوراة لكنهم جهلوه أو أنكروه، فشهد عليهم بكتابهم، فإن حقيقة عيسى وخلقه كانت قد شوهت في الأناجيل المتداولة بين الناس، فكانت الشهادة حولها على النصارى من خلال أصل الحقيقة، وبالمثل شهادته على الكافرين من مشركين وغيرهم، بأن محمدا (صلى الله عليه وآله) رسول الله حقا وأنه قد أدى إليهم البلاغ، ليس بحاجة إلى أن يكون من خلال أي من الكتب السابقة. لذلك فإن مضمون شهادة الشاهدين الذين وكلهم تعالى بها ينطلق من أصل الحقيقة، أكان لها مصداق في الكتب التي لدى الناس أم لم يكن، هي الشهادة بحقائق الأديان والحقائق الربانية التي كان قد حرف منها الكثير، فلا يصلح في مثلها إلا الذي لديه علمها بوجهها الأصيل المشترك بينها جميعا، وهذا موضوع علم الكتاب.
فمن أين لأمير المؤمنين علي (ع) هذا العلم وهو شاب دون الثلاثين من عمره، وحاله كحال أخيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يتتلمذ على