الإمامة تلك الحقيقة القرآنية - الدكتور زهير بيطار - الصفحة ٢٣٥
ضوابط علم الحديث ومقاييسه، فضلا عن الروايات المتواترة شيعيا بهذا المعنى، ولمن أراد المزيد من الناحية الروائية لهذا الموضوع فعليه مراجعة الكتاب القيم (من عنده علم الكتاب) لفضيلة الشيخ جلال الدين الصغير، حيث قد أوفاها حقها.
ونموذج هذه الروايات عن عبد الله بن سلام أن ابنه طاف في المدينة ينادي (ليس كما تذهبون إن من عنده علم الكتاب هو أبي عبد الله بن سلام وأباهل على ذلك).
هذا الكلام يدل أولا على أن الادعاء ليس رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) مما يجعله ادعاء شخصيا ليس إلا، ثانيا على أن الذي كان سائدا في المدينة حينئذ أن من عنده علم الكتاب هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بدليل قوله (ليس كما تذهبون)، ثالثا قد يقال إن هذا يدل على أن الرجل ينفذ أمرا مطلوبا منه بهذا الادعاء لمعارضة السائد لدى الناس، فلم نر في تاريخ الأمم أن صاحب علم يطوف في شوارع مدينة وينادي بعلم يريد أن يعلمه للناس، أو عالما بسنة أو قرآن ينادي في الأزقة لينقل للناس حديثا سمعه أو تفسيرا علمه، ولئن دل هذا الفعل على شئ فإنما يدل على دعاية يراد إذاعتها بما ينسجم مع السياسة الأموية في محاربة أي فضيلة متبقية لدى عامة الناس لأمير المؤمنين عليه السلام وآل محمد (صلى الله عليه وآله) بعد أن جعلوا مسبتهم للمسلمين سنة (1).

(١) وللمنافقين الكارهين لعلي وأهل البيت من خدام معاوية مواقف كثيرة، فشبيه بهذا الأمر الذي ذكرناه عن ابن عبد الله بن سلام، موقف عكرمة الذي ينادي في المدينة عن آية التطهير لأهل البيت " ليس كما تذهبون إليه، إنما هو نساء النبي " (الدر المنثور ج ٥ ص ١٩٨). فقول عكرمة كقول ابن عبد الله: ليس كما تذهبون، لا يدل إلا على أنه يريد إشاعة أمر يخالف ما هو سائد لدى الصحابة والتابعين في المدينة. وهو مثله ينادي، فما سر هذه الغيرة على الدين والعلم يا ترى؟ وكلاهما يقول إني أباهل، يقول عكرمة " من شاء باهلته أنها نازلة في أزواج النبي " (الدر المنثور ج ٥ ص ١٩٨)، فما سر هذا الحماس وهذا الإصرار على تغيير ما تسالم عليه الصحابة والتابعون؟ السر معلوم في وحدة الانتماء لدى هؤلاء كأسيادهم من الطلقاء والمؤلفة قلوبهم، الانتماء إلى حزب المنافقين الذين أظهر رسول الله (ص) علامتهم وهي بغض علي (ع): يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ". وهؤلاء كانوا معروفين بذلك. ولعكرمة تاريخ معلوم في الكذب على ابن عباس، وفي وفيات الأعيان ج 1 ص 320 عن عبد الله بن أبي أوفى " دخلت على ابن عبد الله بن عباس وعكرمة موثق على باب الكنيف، فقلت: أتفعلون هذا بمولاكم؟ فقال: إن هذا يكذب على أبي ".
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»