الإمامة تلك الحقيقة القرآنية - الدكتور زهير بيطار - الصفحة ١٢٠
على أن مخالفة الأمر الإلهي المباشر جماعيا، تجلى بأخطر صورة وأفظعها حين حصل الفرار من الزحف، رغم علمهم بأنه يوجب غضب الله والنار * (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار، ومن يولهم دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) * (1). وذلك مرات عديدة كان أخطرها يوم أحد مما عرض النبي (صلى الله عليه وآله) للإصابة وكاد أن يقتل، ولم يبق مع النبي سوى علي (ع) إلى أن عاد بعد الفرار نفر قليل اختلفت الأخبار حوله، وفي أحسنها يقل عن العشرة، ولئن كانت هذه الكارثة في بداية العهد، فإن يوم حنين كان في أواخره، وفي كلا الفرارين يناديهم الرسول بأخراهم ولا يلوون على شئ، كما عبر عنه القرآن الكريم.
فأي خطر يمكن أن يتعرض له الإسلام أشد من الفرار وترك الرسول (صلى الله عليه وآله) وحده بين جحافل الأعداء. وكلتا الحادثتين ذكرهما القرآن الكريم، ومراجعة بعض التفاصيل في كتب السيرة مدعاة إلى الخزي (2) على أن هناك فرارا في مناسبات أخرى

(١) سورة الأنفال / الآية ١٥.
(٢) قال ابن جرير وابن الأثير في تاريخهما: وانتهت الهزيمة بجماعة من المسلمين وفيهم عثمان بن عفان وغيره إلى الأعوص فقاموا ثلاثا ثم أتوا النبي (ص) فقال لهم حين رآهم لقد ذهبتم فيها عريضة. ابن الأثير ج ٢ / ١١٠. الطبري ج ٢ / ٢٠٣ وذكر ابن جرير الطبري وابن الأثير: أن أنس بن النصر إنتهى إلى عمر وطلحة في رجال من المهاجرين قد ألقوا بأيديهم فقال ما يحبسكم فقالوا قتل النبي (ص). قال فما تصنعون بالحياة بعده؟
موتوا على ما مات عليه النبي، فاستقبل القوم فقاتل حتى قتل فوجد به سبعون ضربة وطعنة وما عرفته، إلا أخته، عرفته بحسن بنانه (شرح النهج ج ١٤ / ٢٧٦، تفسير الرازي ج ٩ / ٦٧ الدر المنور ج ٢ / ٨٠ و ٨٨ كنز العمال ج ٢ / ٢٤٢.
ونقل البخاري عن أبي قتادة الأنصاري: وانهزم المسلمون يوم حنين - وانهزمت معهم فإذا عمر بن الخطاب في الناس فقلت: ما شأن الناس، قال: أمر الله.. وذلك في صحيح البخاري ج ٣ / ص 46 في باب قوله تعالى * (يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم..) *
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»