كان مستندا إلى هذه الخليفة من التذمر الواسع، الذي في ذاته يستبطن الاتهام للنبي (صلى الله عليه وآله)، ويلفت الانتباه التعبير " برجل " كلما اتصل الأمر بقريش، مما يوحي أن صاحب الكلام في مثل هذه الحالات كان ممن يهاب سطوتهم أو لا يروق لمن بيدهم السلطة الإساءة إليه في زمن نقل الروايات.
وأورد البخاري في جزئه الرابع ما كان النبي يعطي المؤلفة قلوبهم من كتاب الجهاد والسير (ج 4 ص 60) عن أنس بن مالك قصة نورد منها محل الشاهد ".. فأعطى رجالا من قريش، فقال الأنصار: يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فجمعهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قبة ولم يدع معهم أحدا غيرهم وقال لهم: ما كان حديث بلغني عنكم؟ ولما أعادوا عليه مقالتهم قال: إني أعطي رجالا حديث عهدهم بكفر، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله.. ".
فانظر كيف أن المقالة كانت صادرة عن جماعة الأنصار لا عن أفراد منهم، وانظر كيف لم يكن فيهم رجل رشيد يردعهم عن مثل هذا، وأن مقالتهم كانت واسعة حتى لزم من النبي (صلى الله عليه وآله) جمعهم لكي يعالج قولهم.
إن هذه الحوادث تدل على ظاهرة ليست فردية منعزلة، بل شائعة في صفوف الصحابة تشكل نمطا من أنماط السلوك لدى جماعتهم،