كان شائعا بين الصحابة وعلى الأخص بين اللذين أصبحوا سادة الموقف بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، ولئن كان هذا نمطا من أنماط السلوك في مجتمع الصحابة، فإن الأمر يبلغ مدى من الخطورة لا يمكن تجاهله حين يكون من سلوك جماعي من هذا القبيل، فيه مخالفة للنص ومعصية واضحة لله ورسوله، حتى في مواقف تشكل المخالفة فيها تهديدا جذريا لرسالة ووجودها، كالذي حصل في أحد وتسبب بالهزيمة بعد النصر، وكاد النبي (صلى الله عليه وآله) أن يقتل، فهؤلاء الرماة وعددهم خمسون، ورغم تأكيد النبي أوامره عليهم بعدم ترك أماكنهم على الجبل مهما كانت الظروف حتى لو كان النصر حليف المسلمين، وأن عليهم أن لا يخالفوا أمر رئيسهم عبد الله بن جبير (ر)، ورغم ذلك فلما شاهدوا فرار المشركين تركوا مكانهم في حركة جماعية، ولم يبق ملتزما بأوامر النبي (صلى الله عليه وآله) سوى أقل من العشرة، فقتلوا جميعا حين كر عليهم خالد بن الوليد ليهاجم المسلمين من الخلف.
فهؤلاء بمعصيتهم هذه تسببوا بهزيمة وكارثة حلت بالإسلام، قتل فيها سبعون شهيدا من خيار المسلمين الأوائل وعلى رأسهم أسد الإسلام حمزة بن عبد المطلب عم النبي (صلى الله عليه وآله، وكان فيه خسارة كبرى لما كان فيه من البأس والقوة والغيرة على الإسلام وعلى ضعاف المسلمين. (1)