الأعلام من الصحابة والتابعين - الحاج حسين الشاكري - ج ٧ - الصفحة ٥٦
وجلس الكبراء منهم في بيوتهم استحياء من الناس، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لتطييب نفوسهم: ليسوا بالفرار، ولكنهم كرار إن شاء الله.
روى الواقدي بسنده عن أسماء بنت عميس قالت: أصبحت في اليوم الذي أصيب فيه جعفر وأصحابه، فأتاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخذت ابني فغسلت وجوههم ودهنتم، فدخل علي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: يا أسماء، أين بنو جعفر؟ فجئت بهم إليه فضمهم، وشمهم ثم ذرفت عيناه فبكى، فقلت: يا رسول الله، لعله بلغك عن جعفر شئ. قال: نعم، إنه قتل اليوم. فقمت أصيح، واجتمع إلي النساء، فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: يا أسماء، لا تقولي هجرا، ولا تضربي صدرا. ثم خرج حتى دخل على ابنته فاطمة وهي تبكي وتقول: وا عماه، فقال: على مثل جعفر فلتبك الباكية، ثم قال: اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد شغلوا بأنفسهم اليوم، فأصبحت سنة.
وروى الواقدي بسنده عن عبد الله بن جعفر أنه قال: أنا أحفظ حين دخل النبي (صلى الله عليه وآله) على أمي فنعى إليها أبي، فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي، وعيناه تهرقان بالدمع حتى قطرت على لحيته، ثم قال: اللهم إن جعفرا قدم إلى أحسن الثواب، فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته.
ثم قال: يا أسماء، ألا أبشرك؟ قالت: بلى بأبي وأمي. قال: فإن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة. قالت: بأبي وأمي، فأعلم الناس ذلك. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخذ بيدي - أي بيد عبد الله بن جعفر - يمسح بيده رأسي حتى رقى على المنبر وأجلسني أمامه على درجة السفلى، وإن الحزن ليعرف عليه. فتكلم فقال: إن المرء كبير بأخيه وابن عمه، ألا إن جعفرا قد استشهد وقد جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة، ثم نزل فدخل بيته وأدخلني، وأمر بطعام فصنع لنا،
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»