- 29 - فصار عنوان " الشيعة " كالعناوين التي يتخذها الساسة، في هذا العصر، وسيلة لأن يكبتوا بها من يخالفهم في السياسة، ويعارض سلطتهم وقدرتهم وشوكتهم بالمنافسة، وعنوانا لأن يقهروه ويدمروه بل ويستأصلوه.
استقصاء شيعة علي واستأصلهم وإن كان مهما عند معاوية، شاغلا باله، ولكنه لدهائه، والابتداع في أهوائه وكياسته لحفظ مقامه ورئاسته لم يكن غافلا عن مهم آخر في سياسته.
قال علي في ما كتب إليه: " فسبحان الله ما أشد لزومك للأهواء - المبتدعة والحيرة المتبعة، مع تضييع الحقائق واطراح الوثائق التي هي لله طلبة وعلى عباده حجة... " فشدة لزومه للأهواء، حمله على الابتداع لتضليل - الخلائق، وتضييع الحقائق، بوضع الأحاديث وجعل الأكاذيب، وحتى بتحريف - أسباب نزول الآيات، وتبديل الروايات، ونقل الأراجيف في حق علي، كي يلتبس - الأمر على الغبي، ولا سيما على أهل الشام، مركز سلطنته وعاصمة حكومته على أهل الإسلام، وتشتبه الحقيقة على الأمة في ما صدر في شأن علي عن نبي الرحمة، حتى ينسى الكبير فضائله، ويكبر الصغير على ما وضعه وافتعله.
وقعت المخاويف وكثرت الأراجيف في زمن معاوية، وعذبت نفوس زكية وقتلت أخرى أبيه، بأمره وبيد عماله وأمرائه، باسم " شيعة علي " كعمرو بن حمق وحجر بن عدي الصحابي. " فصارت هذه السياسة الآثمة الغاشمة، وهذه - المعاملة الجائرة الجابرة، على خلاف شيعة علي وتابعيه، باضطهادهم، وإيذائهم، وحبسهم، وقتلهم، علة للفرقة وسببا لأن ينظر إليهم، وهم في الإسلام من الأقطاب، وفيهم بقية من الأصحاب، كأنهم، والعياذ بالله، ليسوا من المسلمين، أو ما هم إلا فرقة خارجة من الدين! وهذا ما أشار علي (ع) إليه لقوله: " وإن أخوف الفتن عليكم عندي فتنة بني أمية... "