الإسلام والشيعة الإمامية في أساسها التاريخي - محمود الشهابي الخراساني - الصفحة ٥٩
كيف يشاء من جانب آخر وهو يعلم بدهائه، ويعمل لبقائه، فيصير المخالف موافقا، وإن لم يكن في الواقع إلا منافقا.
وأما الفرقة الثانية وهم أصحاب علي (ع) العارفون بشأنه، المحبون له لعلو مقامه، ورفعة مكانه، وكثرة فضائله، الذين آمنوا بكلام النبي (ص): " علي مع الحق والحق معه يدور أينما دار ".
وسمعوا منه (ص)، أو ممن سمع منه (ص)، ما قال في شأن علي كقوله:
" من أحب عليا في محياه ومماته كتب الله له الأمن والأمان " 1.
وكقوله: " لا يحب عليا منافق ولا يبغضه مؤمن " وقوله: " علي مني كنفسي، طاعتي ومعصيته معصيتي " إلى غير ذلك مما ورد عن الرسول (ص) في حقه (وستمر عليك نبذة منها في الكتاب منقولة عن الكتب المعتبرة لأهل السنة، مسندة).
فالداء في هذه الفرقة على إعضال، والأمر معهم مشكل غاية الإشكال، لأنهم لا يبيعون الدين بالدنيا، ولا يشرون أنفسهم المطمئنة بالإيمان، وقلوبهم الممتلئة من حب يورث الأمن والأمان، بتلك الأثمان وتلك الدرجات السفلى.
شرع معاوية بتصفية مملكته ممن خالفه، فاشترى من الفرقة الأولى بالمال والعمل (الإمارة والرئاسة) أنفسهم واستراحت نفسه بهذه السياسة. وأما الفرقة الثانية، وهم محبوا علي، ومفدوه بأنفسهم، ومبغضو معاوية وسلطنته الباغية العاتية، فعزم على أن يفنيهم ويستأصلهم، فصمد للمخالف من هذه الفرقة نحو عنوان " شيعة علي " واستغله لمقصوده، فأمر عماله في جميع البلاد أن يضيقوا على من يتسم، أو يتهم، بالتشيع، ويعذبوهم بالحبس، والزجر، والقتل، ويمتحنوهم بالبراءة عن علي (ع) وعن حبه ويحملوهم على لعنه وسبه! والويل ثم الويل لمن استنكف وأبى، واستعاذ بربه ووفى.

1 - وفي المحكى عن كتاب فضائل علي للإمام أحمد بن حنبل "... أن السعيد كل السعيد، حق السعيد، من أحب عليا في حياته وبعد موته "
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»