آيات الغدير - مركز المصطفى (ص) - الصفحة ٥
* * والمسألة الثالثة: أن الجانب الذاتي في الرسول عليه السلام موجود ومؤثر دون شك، فهو مفكر، نابغ، مخطط، فاعل مختار.. ولكن الذاتية في عمله ضئيلة جدا! وما يقابل الذاتية هنا ليس الآلية، بل طلب التوجيه من ربه دائما عن قناعة، وإيمان، وتعبد.
الرسول يجتهد في أمور، شخصية أو عامة.. ولكن مساحة الأمور التي يسمح لنفسه أن يجتهد فيها ويعمل فيها برأيه، لا تشكل إلا جزء قليلا من مساحة عمله الواسع الكبير!
فمثله كمثل مهندس أرسله رئيسه لتنفيذ مشروع كبير، وهو مقتنع أن عليه أن يتصل دائما برئيسه، ليأخذ منه التعليمات الحكيمة الصحيحة، حتى لا يقع في أخطاء ضارة.. فهو يعمل ويفكر وينفذ، ولكنه على اتصال دائم بمركزه، يأخذ منه مراحل الخارطة، ويستشيره في رفع إشكالات التنفيذ!
وهذا المثل، مصغر آلاف المرات عن مهمة الرسول عليه السلام. أما مركز توجيهه وتسديده ، فإنه لا يقاس بالله سبحانه أحد، ولا بفعله فعل أحد.
* * وعلى هذا، يجب علينا في دراسة سيرة نبينا صلى الله عليه وآله أن ندخل في حسابنا هذه الأمور الثلاثة:
- - - أنه مبلغ ما أمر به.
- - - وأن عمله إنشاء أمة وإطلاقها في مسيرة التاريخ.
- - - وأن عمله دائما بتوجيه ربه وليس من عند نفسه..
والمتأمل في سيرته صلى الله عليه وآله يلمس هذه الحقيقة لمسا، وأن الله تعالى كان يدير أمره من أول يوم إلى آخر يوم، وكان الرسول يطيع وينفذ.. مسلما أمره إلى ربه، واثقا به، متوكلا عليه، راضيا بقضائه وقدره..
ولذا جاءت نتائج عمله فوق ما يتصور العقل البشري، وفوق ما يمكن لكل مهندسي المجتمعات ، ومنشئي الأمم، ومؤسسي الحضارات..
لقد استطاع الرسول صلى الله عليه وآله أن يحدث مدا عقائديا حضاريا عالميا في أقل مدة ، وأقل كلفة من الخسائر البشرية والمادية..
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»