الجانب المتغير في الحياة الإنسانية:
إن للإنسان جانبا آخر في حياته لا يزال يتغير من حال إلى حال، فمثل هذا يتطلب تشريعات متغيرة حسب تغيره وتبدله، ومن حسن الحظ أنه ليس في الإسلام الخاتم تشريع ثابت لهذا الجانب من الحياة مظاهر حياته وقشورها لا جوهرها، ولذلك لم يتدخل فيه الإسلام تدخلا مباشرا، بل ترك أمرها للمجتمع الإسلامي في ظل إطار خاص. وسوغ للمجتمع البشري إدارة شؤون حياته في مجال العمران والبناء وتطور وسائل الحياة المختلفة في مجال الثقافة والدفاع والاقتصاد في ظل إطار عام الذي يتجاوب مع التغير والتطور.
فترك للإنسان مجالا متحركا يختار به أي نوع من الألبسة والبناء والمعدات والوسائل المختلفة ضمن شروط معلومة في الفقه الإسلامي، ولأجل هذه المرونة في الإنسان نرى أنه يتجاوب مع جميع الحضارات الإنسانية، وما هذا إلا لأنه لم يتدخل في الجزئيات المتغيرة إلا بوضع إطار خاص لا يمنع حريته ولا يزاحم التغير، وهنا كلمة قيمة للشيخ الرئيس ابن سينا نذكرها، قال:
" يجب أن يفوض كثير من الأحوال خصوصا في المعاملات إلى الاجتهاد، فإن للأوقات أحكاما لا يمكن أن تنضبط، وأما ضبط المدينة بعد ذلك بمعرفة ترتيب الحفظة ومعرفة الدخل والخرج وإعداد أهب الأسلحة والحقوق والثغور وغير ذلك فينبغي أن يكون ذلك إلى السائس من حيث هو خليفة، ولا تفرض فيها أحكام جزئية، فإن في فرضها فسادا، لأنها تتغير مع تغير الأوقات، وفرض الكليات فيها مع تمام الاحتراز غير ممكن، فيجب أن يجعل ذلك إلى أهل المشورة " (1).
نعم إن عنوان مقتضى الزمان صار رمزا لكل من أراد أن يتحرر من القيم