إن السؤال مبني على أن الإنسان بفطرته وتركيبه يقع في مهب التغير والتطور، فلا يبقى منه شئ عبر القرون، فكأن الإنسان الحالي غير الإنسان الغابر، مع أنها فكرة باطلة، فلو كان هناك تغير فإنما يعود هذا إلى غير الجانب الثابت من حياته.
4 - إن في حياة الإنسان قضايا أخلاقية ثابتة عبر الزمان لا يتسرب إليها التغيير ككون الظلم قبيحا والعدل حسنا، وجزاء الإحسان بالإحسان حسنا وبالسيئ قبيحا، والعمل بالميثاق حسنا ونقضه قبيحا، إلى غيرها من القضايا الأخلاقية الثابتة في حياة الإنسان. سواء قلنا بأنها أحكام فطرية نابعة من الخلقة أو قلنا إن هناك عوامل عبر التاريخ رسخت هذه المفاهيم في ذهن الإنسان، فإن الاختلاف في جذور تلك المثل لا يضر بما نحن بصدده، لأنها على كل تقدير ثابتة في حياة الإنسان، والتشريع الموضوع وفقها يتمتع بالثبات.
إن هناك موضوعات في الحياة الإنسانية لم تزل ذات مصالح ومفاسد أبدية، فما دام الإنسان إنسانا فالخمر يزيل عقله والميسر ينبت العداوة في المجتمع، والإباحة الجنسية تفسد النسل والحرث مدى الدهور والأجيال، فبما أن هذه القضايا قضايا ثابتة في حياته، فالتشريع على وفقها يكون ثابتا وفق ثباتها.
فهذه نماذج من الجانب الثابت من حياة الإنسان تناولناها لإيقاف القارئ على أن التغير في حياة الإنسان ليس أمرا كليا ولا يتسرب إلى أعماق حياته، وإنما التغير يرجع إلى صور من حياته فالتغير - كما سيوافيك بيانه - إنما يكون مثلا في المواصلات، وفي التكتيك الحربي، وفي طراز البناء وأشكاله، وفي معالجة الأمراض وغيرها، فأين مثل هذا التغير من حرمة الظلم، ووجوب العدل، ولزوم أداء الأمانات، ودفع الغرامات، ولزوم الوفاء بالعهد والأيمان، وتكريم ذوي الحقوق إلى غير ذلك من القوانين الثابتة الموضوعة على غرار الفطرة مبنيا على الجانب الثابت من حياته فهو يحتل مكان التشريع الدائم.