ينقطع صوتي، وقمت لك حتى تتنشر قدماي، وركعت لك حتى ينخلع صلبي، وسجدت لك حتى تتفقأ حدقتاي، وأكلت تراب الأرض طول عمري، وشربت ماء الرماد آخر دهري، وذكرتك في خلال ذلك حتى يكل لساني، ثم لم أرفع طرفي إلى آفاق السماء استحياء منك ما استوجبت بذلك محو سيئة واحدة من سيئاتي).
" الثالث " التعريف بالثواب والعقاب والجنة والنار وأن ثواب الله تعالى كله تفضل، وأن العبد يستحق العقاب منه بأدنى معصية يجتري بها، والحجة عليه فيها لله تعالى. وجميع الأدعية السجادية تلهج بهذه النغمة المؤثرة، للإيحاء إلى النفس الخوف من عقابه تعالى والرجاء في ثوابه. وكلها شواهد على ذلك بأساليبها البليغة المختلفة التي تبعث في قلب المتدبر الرعب والفزع من الإقدام على المعصية.
مثل ما تقرأ في الدعاء 46: " حجتك قائمة، وسلطانك ثابت لا يزول، فويل الدائم لمن جنح عنك، والخيبة الخاذلة لمن خاب منك، والشقاء الأشقى لمن اغتر بك. ما أكثر تصرفه في عذابك، وما أطول تردده في عقابك! وما أبعد غايته من الفرج! وما أقنطه من سهولة المخرج! عدلا من قضائك لا تجور فيه، وإنصافا من حكمك لا تحيف عليه، فقد ظاهرت الحجج وأبليت الأعذار. ".
ومثل ما تقرأ في الدعاء 31: " اللهم فارحم وحدتي بين يديك، ووجيب قلبي من خشيتك، واضطراب أركاني من هيبتك، فقد أقامتني يا رب ذنوبي مقام الخزي بفنائك، فإن سكت لم ينطق عني أحد، وإن شفعت فلست بأهل الشفاعة ".