ما أن ندمت على سكوتي مرة * ولقد ندمت على الكلام مرارا - وفي تحف العقول (1) أيضا عن الصادق (عليه السلام) في وصيته لأبي جعفر محمد بن النعمان، قال: إن من كان قبلكم كانوا يتعلمون الصمت، وأنتم تتعلمون الكلام، كان أحدهم إذا أراد التعبد يتعلم الصمت قبل ذلك بعشر سنين، فإن كان يحسنه، ويصبر عليه، تعبد وإلا قال: ما أنا لما أروم بأهل إلى آخر الحديث.
والأخبار المروية عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وكلمات الحكماء الأبرار في هذا المضمار كثيرة.
- ويجمعها ما رواه الكليني (رضي الله عنه) في أصول الكافي (2) بإسناده عن الصادق (عليه السلام) قال: قال لقمان لابنه: يا بني إن كنت زعمت أن الكلام من فضة، فإن السكوت من ذهب.
أقول: هذا الحديث يدل على أن السكوت من حيث هو خير من الكلام من حيث هو، يعني إذا لوحظ السكوت لو خلي وطبعه، مع قطع النظر عن الجهات الطارئة ولوحظ الكلام لو خلي وطبعه، مع قطع النظر عن الجهات العارضة، فالسكوت أفضل وأحسن، ووجهه ظاهر عند أهله، لأن فيه راحة البدن، والقلب، وصيانة للعمر عن صرفه فيما لا يعني.
وفيه فوائد أخر أيضا تظهر للمتدبر. فالقضية قضية طبيعية، ولا معارضة بينها وبين ما دل على رجحان الكلام في مقام، ووجوبه في مقام، كما أن السكوت قد يكون واجبا، وقد يكون حراما، وقد يكون مكروها، ولكن لا يكون مباحا بالنظر إلى الأخبار الدالة على استحبابه من حيث هو واختلاف حكم السكوت والكلام في كال مقام إنما هو بسبب جهة طارئة عرضت لكل واحد منهما، فأوجبت تبدل حكمه الذاتي الطبيعي.
والعجب من العلامة المجلسي حيث قال في مرآة العقول (3) بعد ذكر الحديث المنقول:
يدل على أن السكوت أفضل من الكلام، وكأنه مبني على الغالب، وإلا فظاهر أن الكلام خير من السكوت في كثير من الموارد بل يجب الكلام، ويحرم السكوت عند إظهار أصول الدين وفروعه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويستحب في المواعظ والنصائح، وإرشاد الناس إلى مصالحهم، وترويج العلوم الدينية، والشفاعة للمؤمنين، وقضاء حوائجهم، وأمثال