مكيال المكارم - ميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج ١ - الصفحة ٢٩٧
الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على مواقيت الصلوات الخمس فإذا ضيعهن اجترأ عليه فأدخله في العظائم.
أقول: وهكذا الحال في كل عبادة يأتي بها المؤمن على الوجه الذي أمر الله تعالى به فإن اقتضاء العبادة لله عز وجل القرب منه، ولازمه تباعد الشيطان، وهذا ظاهر بالوجدان ومشاهد بالعيان.
ثم لا يخفى أنه كلما كانت العبادة في نظر الشارع أهم وأعظم، كان ذلك الاقتضاء فيها أكمل وأتم مثل الصلاة، والولاية، والزكاة، وقراءة القرآن، والدعاء بتعجيل فرج صاحب الزمان، وأمثالها وكذلك كلما كان أجمع لشرائط القبول كان أسرع وأكمل في حصول هذا الأمر المعقول وبهذا البيان ظهر سببية الدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان لتباعد الشيطان بالدليل والبرهان.
الأمر الثاني من الأمرين اللذين بينهما الله عز وجل في الآية الشريفة، وهو أعلى من الأول، بل هو غاية الغايات وأعلى العنايات، وهو محض ذكر الله وذكر الله المحض والإعراض والذهول عما في السماوات والأرض وهو يحصل بصرف العبد جميع آنات عمره في عبادة الله، صارفا نظره عن كل ما سواه، بأن لا يذكره إلا لأنه ذكره، فهو مطلوبه لا غير من دون التفات إلى شئ آخر من شر أو خير.
- وهذا الذي أشار إليه سيد العابدين (عليه السلام) في مناجاته المتقدمة، وفي غيرها من كلماته النافعة الجامعة فإذا أتى العبد بصلاته تامة كاملة بحقيقتها، التي ينبغي أن يؤتى بها، تباعد الشيطان عنه، بنحو لا يقرب منه أبدا.
ولقد ذاكرني بعض العلماء المعاصرين يوما في معنى الحديث الوارد، بأن للصلاة أربعة آلاف حد.
فقلت: إن عدد المعاصي أربعة آلاف على ما نقل عن بعض علمائنا، فيمكن أن يكون المراد أن هذه حدود لا يتعدى عنها من أدى الصلاة بحقيقتها، يعني أن الدليل على أداء حقيقة الصلاة هو الاجتناب عن جميع تلك السيئات، فمن لم ينته عنها، لم يأت بحقيقة الصلاة وتجاوز عن حدود الله فاستحسن هذا الجواب، والله الهادي إلى نهج الصواب.
ويشهد لهذا الوجه الذي ذكرته بعون الله تعالى ما مر في الحديث النبوي عن مجمع
(٢٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 ... » »»