مكيال المكارم - ميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج ١ - الصفحة ٢٩٥
وازداد قربه من الله عز اسمه ازداد الشيطان عنه بعدا ونفورا وليس ذلك إلا لميل كل شئ إلى ما هو من سنخه وجنسه، فكما أن الإنسان كلما كمل في مراتب العبادة والاجتهاد في الطاعة، وكسب الأخلاق الحسنة قرب من عالم الملكوت وانكشف له ما لا ينكشف لغيره.
- ولذلك ورد في الحديث (1): لولا أن الشياطين يحومون حول قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماء.
كذلك يبعد عن الهواجس الشيطانية، والوساوس النفسانية، والشهوات الحيوانية ويبعد عنه الشيطان المغوي، والهوى المردي، حتى يبلغ الدرجة المذكورة.
- في الحديث القدسي، المروي عن الصادق (عليه السلام) في أصول الكافي (2): ما تقرب إلي عبد بشئ أحب إلي مما افترضت عليه، وإنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته. الخبر.
أقول: قد اختلج بالبال في توضيح هذا المقال وجهان:
الأول: أن يكون المراد أن العبد إذا بلغ تلك الدرجة العليا والمرتبة القصوى لم يكن همه إلا الله تعالى، وذهل عن ما سواه، وذكر السمع والبصر واللسان من باب المثال، يعني لا يريد شيئا إلا الله، فهو سمعه وهو بصره، الخ.
- وهذا هو الذي أشار إليه سيد الساجدين، وإمام العارفين، علي بن الحسين (عليه السلام) في المناجاة حيث يقول: فقد انقطعت إليك همتي، وانصرفت نحوك رغبتي فأنت لا غيرك مرادي ولك لا لسواك سهري وسهادي، الخ.
والثاني: أن يكون المراد، أن العبد إذا كان بتلك المنزلة، حصل له ما أراد، ولم يحجب عنه شئ فمعنى كون الله تعالى سمعه وبصره ويده أنه يسمع كل ما يمكن أن يسمع، ويبصر كل ما يمكن أن يبصر، ويفعل كل ما يريد فهو يسمع ما لا يسمعه غيره ويبصر ما لا يبصره غيره، ويفعل ما لا يقدر عليه غيره. وهذا من الصفات الربانية التي يعطيها الله عز وجل إياه حبا له ولهذا قيل: إن العبد إذا أطاع الله تعالى أطاعه كل شئ.

١ - بحار الأنوار: ٧٠ / ٥٩ ح ٣٩ باختلاف يسير.
٢ - الكافي: ٢ / 352 / ح 7.
(٢٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 ... » »»