مكيال المكارم - ميرزا محمد تقي الأصفهاني - ج ١ - الصفحة ٢٩١
المكرمة الثالثة إظهار المحبة الباطنية: إعلم أن الحب وإن كان أمرا خفيا قلبيا وشيئا كامنا باطنيا، لكن له آثار ظاهرة، وفروع متكاثرة، فهو كشجرة أغصان ولكل غصن من الورد أفنان، فبعض آثاره يظهر في اللسان، وبعض في سائر جوارح الإنسان فكما لا يمكن منع الشجر عن إبراز أزهاره، لا يمكن منع ذي الحب عن ظهور آثاره.
ولنعم ما قال بعض أهل الحال.
إذا هممت بكتمان الهوى نطقت * مدامعي بالذي أخفي من الألم فإن أبح أفتضح من غير منفعة * وإن كتمت فدمعي غير منكتم لكن إلى الله أشكو ما أكابده * من طول وجد ودمع غير منصرم فكما أنه كلما ازداد الشجر نموا ازداد إزهاره كذلك كلما ازداد الحب قوة ازداد آثاره فمن آثاره في العين إسبال الدموع وهجران الهجوع.
وقد قال بعض أهل الإشتياق، في آثار حال الفراق:
ولو أن عينا في الفراق بكت دما * لرأيت في عيني دما لا يجمد ومن قصيدة لأبي العباس المبرد صدره يناسب هذا المقال:
بكيت حتى بكى من رحمتي الطلل * ومن بكائي بكت أعدائي إذ رحلوا ومن آثار الحب في اللسان ذكر المحبوب في كل مكان وزمان، بكل بيان وبأي عنوان وحسبك شاهدا في التبيان، وناطقا بالبرهان قول الخالق المنان، في الحديث القدسي لموسى بن عمران (ذكري حسن على كل حال) (1).
أقول: وهذا حال أهل الحال والاقبال، وقد قال الله عز وجل في أحسن الأقوال في التصريح بهذا المقال: * (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي

١ - في أصول الكافي: ٢ / 497 بسند صحيح عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: مكتوب في التوراة التي لم تغير إن موسى سأل ربه فقال: إلهي إنه يأتي على مجالس أعزك وأجلك أن أذكرك فيها، فقال: يا موسى إن ذكري حسن على كل حال (لمؤلفه).
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»